هَبَل وشيطنة
فهمي هويدي
لم أجد وصفا لما كتبته تسيبى ليفنى عن «العدو الحقيقى» سوى أنه نص اختلط فيه الهبل مع الشيطنة. وكانت صحيفة «معاريف» قد نشرت فى ١٤/٣ مقالة تحت ذلك العنوان لعضو الكنيست ووزيرة الخارجية السابقة امتدحت فيها قرار الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجى باعتبار حزب الله منظمة إرهابية، واعتبرته صحيحا ومحقا، وفى حفاوتها بالقرار فإنها أثارت فيما كتبته النقاط التالية:
< أنه يعكس المدى الذى بلغه «التغير الإيجابى» فى الأفكار والمواقف السائدة فى العالم العربى.
< بناء على ذلك يتعين منع حزب الله من المشاركة فى الانتخابات بلبنان كما يجب منع التنظيمات الإرهابية الأخرى مثل حماس (!) من الوصول إلى السلطة سواء فى سوريا أو أى بلد آخر فى الشرق الأوسط.
< على المجتمع الدولى أن يصوغ مجموعة قوانين ديمقراطية تحدد شروط الاعتراف الدولى بأى نظام، بحيث لا تكون الانتخابات هى الشرط الوحيد للاعتراف بشرعيته. ذلك أنه من شروط الديمقراطية ان استخدام القوة والسلاح يجب أن يكون بيد الحكومة وحدها.
< إيران وحزب الله ينشران الإرهاب فى المنطقة، وعلى العالم أن ينتقل من الدفاع إلى المبادرة بحيث يتوحد فى مواجهة الإرهاب من خلال تحالفات يعقدها مع الدول الإسلامية المعتدلة مثل دول الخليج والدول الأعضاء فى الجامعة العربية التى صنفت حزب الله إرهابيا. وبوسع إسرائيل أن تكون جزءا مهما من التحالفات الإقليمية التى تنهض بهذه المهمة.
القارئ العربى حين يقرأ هذا الكلام فإنه لا يجد فيه إلا ذلك المزيج من الهبل والشيطنة. فالسيدة ليفنى تحدثنا من دولة قامت على الإرهاب وقننته ــ منذ ولدت وحتى هذه اللحظة ــ وكل ما فعله الإرهاب فى العالم العربى من جرائم وفظائع لا يرقى إلى فصل واحد فى كتاب الإرهاب الإسرائيلى. حيث لا وجه للمقارنة بين إرهاب تمارسه جماعات منفلتة وخارجة على الدولة ومعادية لها. وآخر تمارسه الدولة ذاتها وترعاه، كما هو الحاصل فى إسرائيل التى وصفها جدعون ليفى محرر صحيفة «هاآرتس» الشهير بأنها دولة الآبرتهايد (العنصرية) بحق الفلسطينيين. التى يحتفى فيها بفتاوى قتل العرب باعتبارها «فريضة شرعية». والقائلون بذلك حاخامات ومراجع دينية يتلقون رواتبهم من الدولة أو أن مؤسساتهم الدينية والتعليمية تحظى بدعم كبير من وزارات الحكومة (كتاب «شريعة الملك» للحاخام إسحاق شابيرا أورد مسوغات فقهية دعت إلى قتل الرضع العرب بحجة أنهم حين يكبرون سيحاربون إسرائيل. وأعضاء مجلس الحاخامية الكبرى ــ أكبر هيئة دينية رسمية فى إسرائيل ــ اعتبروا مثل هذا الكلام إبداعا فقهيا)!
وهى تندد بالإرهاب فى العالم العربى تباكت السيدة ليفنى على موجات اللاجئين التى تدفقت على أوروبا فى العام الأخير، وتجاهلت أن بلدها كان سباقا فى ارتكاب جريمة طرد الفلسطينيين وتشتيتهم فى العالم الخارجى منذ أربعينيات القرن الماضى.
على صعيد آخر فليس صحيحا أن العالم العربى تغير إزاء إسرائيل كما ادعت وزيرة الخارجية السابقة، وحفاوة المصريين والعرب بطرد نائب التطبيع من البرلمان المصرى بعد رشقه بالحذاء، أقرب دليل على ان التطبيع مع إسرائيل لايزال يعد عارا يلاحق كل من يجهر به. والقرار الذى صدر باعتبار حزب الله منظمة إرهابية هو تعبير عن احتجاج الدول الخليجية صاحبة التأثير الأكبر فى الجامعة العربية على تدخل حزب الله فى سوريا وارتباطه بالسياسة الإيرانية. وهو احتجاج فى محله. وإن بولغ كثيرا فى التعبير عنه وفى تصنيفه. من ثم فالتدقيق فيما جرى يكشف عن أن التغير فى العالم العربى ينصب على العلاقة مع إيران وليس العلاقة مع إسرائيل. وإذا اعتبر العرب أن تدخل حزب الله فى سوريا خطيئة تحسب على حزب الله، فإن أحدا لا ينسى فضيلته الوحيدة المتمثلة فى تحديه لإسرائيل وكسره لصلفها وكبريائها.
ليس عندى دفاع عن حزب الله الذى هو جزء من الاستثناء اللبنانى وخرائطه الملتبسة. وأزعم أن نقده وارد وواجب، شريطة ألا يكون أى صوت إسرائيلى طرفا فيه، لأنه حين يتعلق الأمر بإسرائيل تحديدا فكلنا نصبح حزب الله المقاوم وليس الذراع الإيرانية فى المنطقة.
لقد تخابثت تسيبى ليفنى وخلطت بين حزب الله وحماس وبين الجماعات الإرهابية الموجودة فى الساحة، وبعدما وضعت الجميع فى سلة واحدة ودعت إلى إقامة تحالف ضد الإرهاب تكون إسرائيل طرفا فيه، وتلك دعوة ملغومة لا هدف لها سوى صرف الانتباه عن الإرهاب الإسرائيلى وتوسيع نطاق اختراق الدولة العبرية للعالم العربى «المعتدل». وذلك من قبيل الاحتيال الذى لا ينطلى على أى مواطن سَوِىٍّ فى العالم العربى. مع ذلك فإننا لا نستطيع أن نتوجه إليها بكل اللوم، لأننا ينبغى أن نوجه بعضه إلى المهزومين فى العالم العربى الذين انفصلوا عن ضمير الأمة، وشجعوها على تسويق ما تدعيه.
- يمنع إدخال أي مضامين فيها مساس بالدين أو قذف أو تشهير أو إساءة
- أي تعليق يدعو إلى العنصرية أو الجهوية أو المساس بالوحدة الوطنية لن يتم نشره
- مسؤولية التعقيب تقع على عاتق المعقبين انفسهم فقط والموقع غير مسؤول عنها
الإرسالات : 0
التعليقات (0)